الأربعاء، 19 نوفمبر 2014

كاشف المصير - قصّة خيال علمي

*/*/* السلام عليكم */*/*



ماذا لو أثبت علماء المستقبل أنّ الزمن خط واحد...
وتمّ تصميم جهاز يظهر الأحداث الزمنية, قصّة حوار بين محب لهذا الجهاز وكاره له. 

هذه القصّة فكرة جائتني في إحدى الأيّام, إنها مجرّد تخيّلي لشيئ ثمّ فكّرت
"ماذا لو فعلوها حقّا في المستقبل؟" 


لست واثقا إن كان العنوان جيّدا و/أو مناسبا ... ولكن أرجو أن تقرؤها للنهاية ثمّ أريد رأيكم حيالها بعد قراءة القصّة


*) كاشف المصير

أثبت العلماء أنّ الزمن هو "خط" واحد موجود منذ (أو قبل) خلق الأرض, وأنّ الأحداث التي تحدث في أي زمن مقدّرة منذ البداية ولا تتغيّر.  نسمّي تلك الأحداث بـ"القدر" أو "المصير", إنها ما يتعرّض له الشخص في حاضره مع كونها مقدّر حصولها له في ذلك الوقت بالتحديد من "الخط الزمني".

شهد القرن الرابع والعشرون إختراع "كاشف المصير" !!
إنّه جهاز يجعلك ترى أيّ موقع في الأرض ومن أيّ زاوية تشاء. وليس هذا فقط بل في الزمن الّذي تختاره أيضا..
إستطاع العلماء صنع جهاز يقرأ ذلك "الخط الزمني" ويعطي نتائج مرئيّة للمستخدم.

في البداية كان "كاشف المصير" قادرا فقط على قرآءة الحاضر وحتّى أسبوع من الماضي, وكان مفيدا جدا للـ"حكومات" في القبض على المجرمين والتأكد من أمور كانت في السابق من "علم الغيب".

لكنّ هذا الجهاز إستمرّ بالتطوّر ....
الآن يستطيع قرآءة 1000 عام من الماضي حتّى 20 ساعة في المستقبل, وليس هذا فقط بل صار تصنيع الجهاز سهلا لدرجة أنّه يمكن لأي شخص عادي إقتناء واحد والإطلاع على "مصيره" !!

هل يبدو هذا مريحا ؟

لأنّه ليس كذلك !!


"هلّا قلت لي سببا واحدا يجعلني أرغب في إقتناء جهاز كهذا؟"
قلت لصديق ألتقي به دائما في هذا المقهى, ذلك الشاب بنّي الشعر من أحد ضحايا التكنولوجيا الحديثة الّذين يحاولون إقناعي بشراء "كاشف المصير".

"مثلا, يمكنك الإطّلاع على مستقبلك!! مثلا أنظر: اليوم كما رأيت في كاشف المصير تماما ذهبت إلى عملي حتّى سمح الرئيس بالخروج كما رأيت في كاشف المصير تماما ثمّ أتيت لأتحدّث معك في المقهى!! والآن أحدّثك عن روعة هذا الجهاز وسوف تجادلني كما تفعل كل يوم وكما رأيت في كاشف المصير تماما"

"هـ هذا طويل!! ولماذا كلما تقول (كما رأيت في كاشف المصير) تقولها بصوت أعلى من باقي كلامك؟ ثمّ كيف عرفت الموضوع الّذي نتحدّث عنه فـ"كما قلت لي" كاشف المصير يظهر فقط الصور وليس الصوت"

"لأنّ الحديث عن هذا هو ما كنت أفكّر فيه حينما أتيت إلى هنا, للأسف كاشف المصير لا يقرأ أكثر من 20 ساعة في المستقبل وإلّا لقلت لك ما سأفعله بعد ذلك"

"نعم, أنت لا تعرف ما ستفعله بعد ذلك!! هذا ليس لأنّ الجهاز محدود بـ20 ساعة فقط في المستقبل, بل لأنّ الجهاز محدود أيضا فيما يمكنك رؤيته من مستقبلك"

"هاه؟ أنت تعرف الكثير بالنسبة لشخص لا يملك واحدا !!"

"بالطبع, أنا أنظر إلى مميزات وعيوب كل جهاز قبل شراءه!! ووجدت أنّه جهاز لن يفيدني, لايمكنك أن تجعل الجهاز يتتبعّك,  بإختصار يمكن للجهاز الإجابة على سؤال "هل سأكون في المكان ×××× في الساعة ×× ؟" وليس "أين سأكون في الساعة ×× ؟" "
طريقة التحكّم بالجهاز كانت بإختيار الزمن والإحداثيّات التي تريد من الجهاز أن يقرأ عندها, إن قمت بتغيير الإحداثيات فسوف يستهلك هذا الكثير من طاقة الجهاز والبطارية إن كان مشحونة تماما تنفذ بعد تغيير الإحداثيات خمس مرّات.

"هذه أحد العيوب التي سيجدون حلّا لها قريبا"
قال بلمحة تدلّ على خسارته أمامي في كلامه.

"على خلافك أعتقد أنّ هذا أفضل, هل رأيت شخصاً يستخدم هذا الجهاز في أشياء مفيدة؟! سمعت أنّ الكثيرين أرادوا التطلع على ما يفعلونه في الـ20 ساعة القادمة ووجدوا أنّهم لم يتحرّكوا فيها عن ذلك الجهاز على الإطلاق !!"
هناك إستخدامات مفيدة للجهاز لكنّي لا أستطيع التفكير بالناس الّذين يقومون بها مهما حاولت.

"هؤلاء الأشخاص الّذين لا يملكون أعمالاً, أنا الّذي لدي عمل أستخدمه في أشياء مفيدة فمثلاُ عرفت أنّ رئيسي في العمل لم يكن ليأتي ذلك اليوم فإستخدمت الوقت في فعل أشياء أكثر فائد-"

لكنّي قاطعته !!
"أجل أجل!! وكأنّ الجلوس في المقهى والحديث معي شيئ أكثر فائدة من العمل, أنا أسمّي هذا هروباً يا رجل"

"إعه!! ليتني لم أقل لك ذلك في ذلك اليوم"
صحيح, ربما إن لم يقل لي أنه فعل ذلك, لربما ظننت أنّه فعل شيئا مفيدا في ذلك اليوم, أنا لا أملك ذلك الجهاز ولا أحب إستخدامه لو كنت أملكه, لذا إحتمال أن أصدّق كذبة كبير مقارنة بالناس الآخرين.


"قلت لك, ثمّ أنّ هذا الجهاز يقتحم الخصوصيّات, يمكنك رؤيّة أيّ مكان تريد من أيّ زاوية في أيّ زمن تشاء بين 1000 عام مضى و 20 ساعة قادمة !! هل تعتقد أنّ الناس كلّهم نبلاء؟ لا أريد تخيّل عدد الأشخاص الّذين يستغلّون ذلك في الـ%$^#$ والـ ^%$#@ "
لسبب ما قلت الجزء الأخير بصوت عال مما جعل الناس الآخرين في المقهى ينظرون إلينا.

"هُش!! لا تقل كلمات كهذه في مقهى محترم كهذا !! سيطردوننا...  لكن معك حق, أنا أحتاج لمقاومة نفسي كي لا أتجسس على جار- أقصد.. هههههه أنا لا أفعل شيئا من ذلك!! لا تنظر إليّ هكذا"
قال الجزء الأخير وأنا أجهّز يدي لضربه لكنّ أوقفت نفسي عن ذلك.

"هل رأيت؟! التجسس على حرمات الآخرين ليس لائقا!! قد تكون الكلمات مثل %$^#$ و ^%$#@ غير لائقة, لكنّ الفعل أكثر فضاعة بمئة مرّة !!"

"إذاً, المشكلة ليست في الجهاز بل في الناس الّذين يستخدمونه, أعتقد أنّ هذا نفس الكلام الّذي كان يُقال على الإنترنت في القرنين الماضيين"

"الإنترنت صار من الماضي الآن!! لماذا خطر على بالك أصلا؟ هل إستخدمت الجهاز لفحص تقدّم التكنولوجيا خلال القرنين الماضيين؟"

"نعم وهذا هو الجانب الجيّد لهذا الجهاز, يمكنك دراسة التاريخ عن طريقه,  إن إقتنيت واحـ -"

"لا أحتاج لإقتناء واحد, الجهاز صار منتشرا كثيرا لدرجة أنّي أستطيع إستئجاره في الحالات النادرة التي أحتاج فيها لرؤية "حدث تاريخي", أنا لم أطلب منك اخباري بميزات الجهاز بل أردت سببا واحدا يجعلني أرغب في إقتناءه "

"هممم, إذاً لماذا لا تريد رؤية مستقبلك؟ الإطلاع عليه سيجعلك تتخذ قرارات أفضل"

"بل الإطلاع عليه يجعلك تكتشف القرارات الّتي كنت ستتخذها في كل الحالات!! فكما قال العلماء "الجهاز لن يخطئ في تحديد المستقبل" لأنّ "المستقبل موجود مع الحاضر والماضي" ونحن فقط كبشر لا نستطيع إدراكه لأنّنا خلقنا لنعيش الحاضر وحده"

"ولكن حين نرى مستقبلنا -"

"ألم تفهم بعد؟! نحن بشر لأنّ لدينا القدرة على إتّخاذ القرارات بأنفسنا.  إن جعلنا الجهاز يجعلنا ننتخذ قرارتنا فماذا تبقّى من إنسانيتنا ؟"

"أنت تتكلّم وكأنّ الجهاز يسيطر علينا, ألسنا بشراً لأنّ لدينا القدرة على إتخاذ القرارات التي نريدها من بين كل الخيارات المتاحة؟ حين تطّلع على ما يحصل من خلال "كاشف المصير" يساعدك هذا في إختيار أفضل الطرق"

"أفضل الطرق؟ لقد قلت أنّك إستخدمت الجهاز كي تهرب من العمل حين علمت أنّ رئيسك لن يأتي, هل هذا من "أفضل الطرق"؟"

"بدأت تستخدم كلامي ضدّي -"

"دعني أقول لك لماذا أكره رؤية المستقبل!! أنت تعلم أنّه في الماضي كان هناك من يعتقدون بأنّه يمكن تغيير مستقبلهم, هناك من رآى أنه سيموت لو ذهب للحديقة في ليلة ما فذهب إلى مكان بعيد جدا عنها, لكن هل تعلم ما حصل؟"

"همممم.... مات في ذلك المكان البعيد؟"

"لا- أمسكه رجال عصابة وأخذوه إلى قاعدتهم في تلك الحديقة ومات بنفس بالطريقة التي حاول أن لا يموت بها !!"

"مـ !!"

"هذا مجرّد ضحيّة واحدة, وهل تعلم كيف مات أبي؟!"
لم أرد قول هذا في البداية, أبي كان أحد مستخدمي الجهاز حينما كان يظهر 500 عام في الماضي و 12 ساعة في المستقبل. كان مثلي لا يحبّ إستخدامه لكنّه إقتنى واحدا في حال إحتاج إليه -

"أه صحيح, أبوك مات في حادثة طائرة"
كلام هذا الشاب ذكّرني بمشهد موته الّذي كنت أريد قوله الآن, بدأت أشعر بعدم الرغبة بالإستمرار لكنني تابعت..

"أبي كان سيركب طائرة معيّنة للسفر, لكنّ تلك الطائرة لم تُقلع لأنّ "كاشف المصير" أثبت أنّ تلك الطائرة ستتعرّض لحادث لو إنطلقت"
- قلت بالرغم من عدم رغبتي بالمتابعة.

"مهلا!! ألم تقل بنفسك أنّ الجهاز لا يكشف الـ"ماذا لو" ؟"

"نعم, تخيّل ما حصل!!  تمّ نقل أبي إلى طائرة أخرى وإنطلقت تلك الطائرة وبعد إنطلاقها بدقائق قال العلماء أنّهم أخطأوا في رقم الطائرة التي ستتعرض لحادث وكانت الطائرة التي صعد عليها أبي كما كشف "كاشف المصير" تماما!!"

"واه !!"

"الطيّار أصابته صدمة حين سمع الخبر فلم يعد يستطيع القيادة جيّدا وذلك هو الّذي تسبّب في ذلك الحادث"

"مذهل... مهلا!! أقصد فظيع"
قال الشاب بتعابير مشرقة قبل أن يحوي وجهه تعابير الذعر, ربما لأنّه أدرك أنّ أبي هو الّذي مات هناك.

"هل فهمت الآن؟ كل هذا حصل بسبب "كاشف المصير" إن لم يستخدمه أحد لربّما حُلّت الكثير من المشاكل في العالم, أو على الأقل لم نكن لنخاف من حصولها قبل وقتها !!"

"إذا هل تريد أن تقول لي -"

"إن كنّا سنتعرّض لكل تلك الأمور في كلّ الحالات فما الفائدة من رؤية المستقبل؟ الناس في العهود الماضية كانوا محظوظين, عدم معرفة المرء لما سيحصل في اليوم التالي نعمة كبيرة أكاد أحسدهم عليها"

"..."

"قد يكون "كاشف المصير" قفزة كبيرة في عالم التكنولوجيا ولكن من الناحية البشريّة أعتقد أنّه أكبر سقوط تاريخي"

لم يتحدّث ذلك الصديق بعد ذلك حتّى غادرنا المكان, ربما أقنعه كلامي وهو الآن يفكّر فيه وربّما لم يقتنع به.

لكن هناك شيء واحد واضح...
في حال كان "كاشف المصير" نعمة للعالم أم نقمة عليه فستبقى هذه الحقيقة:


أنت تعيش حياتك تعمل للمستقبل أفضل من أن تعيش حياتك تنظر إليه.

[النهاية]
------------------


وهذه واحدة من أفضل القصص الّتي كتبتها من ناحية الحوارات !!


الآن بعد قرائتها لابدّ أنّك لاحظت أنّ هذه القصّة تلمس "الغيب" قليلا وقد تكون غير مقبولة ... لكن دعني أبرر نفسي : ما يصنّف تحت "علم الغيب" يتغيّر بإختلاف الزمن والمكان فلم يكن الناس قديما يستطيعون معرفة إن كان المولود ذكر أو أنثى وهو في بطن أمّه.. صحيح ؟

وفي النهاية تبقى هذه قصّة خيالية. هدفي منها هو التفكّير بأشياء مستحيلة وتخيّلها,  ما رأيكم؟

هناك 4 تعليقات:

  1. احم احم حان وقت التعليق
    بخصوص فكرة القصة فجميلة جداَ وتستطيع أن تضع فيها الكثير من الحداث الغير متوقعة
    فنحن نتكلم عن المستقبل و الماضي من ولكن من ناحية حدث فاللأسف ارى القصة
    محادة من طرف واحد ربما لأنك اردت ذالك الشخص الذي يكرة اله كاشف المستقبل
    أن يكون له اليد العلى لكن هذا انعكس قليلاَ على القصة وشكراَ

    ردحذف
  2. السلام عليكم...

    شكراً على الرد.. صحيح, نسيت إن كنت قد حاولت أن أكون محايداً ولكنني إنسجمت في جزء "كاره" الجهاز في الحوار حتّى صارت القصة كلها عنه.

    إن شاء الله حين أظهر وجهتي نظر مختلفتين في قصصي القادمة أحاول إعطاء كل منها حقّها.. حول عالم القصّة لم أفكّر بقصة أخرى فيه لكنه عالم يمكن تحويله إلى قصة طويلة جدا تحت المؤلف المناسب.

    شكرا على التعليق.. هذا هو النوع من الردود التي كنت أنتظرها !!

    ردحذف
  3. قصة رائعة :)

    ردحذف
  4. جميلة جدا!
    اندمجت مع المحادثة وفي النهاية تمنيت أنها جزء من قصة طويلة حول هذا الموضوع

    شكرا على الكتابة.

    ردحذف

جميع الحقوق محفوظة لــ أحمد مانجا : للقصص المصورة
نسخة ahmadmanga المعدّلة من النسخة المعرّبة تعريب( كن مدون ) Powered by Blogger Design by Blogspot Templates